البطالة مشكلة اقتصادية، كما هي مشكلة نفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية. وجيل الشباب هو جيل العمل والانتاج، لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة.
فالشاب يفكّر في بناء أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، بالاعتماد على نفسه، من خلال العمل والانتاج، لا سيما ذوي الكفاءات، والخريجين الذين أمضوا الشطر المهم من حياتهم في الدراسة والتخصص، واكتساب الخبرات العملية، كما ويعاني عشرات الملايين من الشباب من البطالة بسبب نقص التأهيل وعدم توفر الخبرات لديهم، لتَدنّي مستوى تعليمهم واعدادهم من قبل حكوماتهم، أو أولياء اُمورهم.
وتؤكد الاحصاءات أنّ هناك عشرات الملايين من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم من جيل الشباب، وبالتالي يعانون من الفقر والحاجة والحرمان، وتخلف أوضاعهم الصحية، أو تأخرهم عن الزواج، وانشاء الاُسرة، أو عجزهم عن تحمل مسؤولية اُسرهم.
تفيد الاحصاءات العلمية أنّ للبطالة آثارها السيّئة على الصحة النفسية، كما لها آثارها على الصحة الجسدية. إنّ نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل (يفتقدون تقدير الذات، ويشعرون بالفشل، وأنهم أقل من غيرهم، كما وجد أن نسبة منهم يسيطر عليهم الملل، وأنّ يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة)(26)، وأنّ البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي.
كما وجد أن القلق والكآبة وعدم الاستقرار يزداد بين العاطلين، بل ويمتد هذا التأثير النفسي على حالة الزوجات، وأنّ هذه الحالات النفسية تنعكس سلبياً على العلاقة بالزوجة والأبناء، وتزايد المشاكل العائلية.
وعند الأشخاص الذين يفتقدون الوازع الديني، يقدم البعض منهم على شرب الخمور، بل ووجد أن 69% ممن يقدمون على الانتحار، هم من العاطلين عن العمل.
ونتيجة للتوتر النفسي، تزداد نسبة الجريمة، كالقتل والاعتداء، بين هؤلاء العاطلين.
ومن مشاكل البطالة أيضاً هي مشكلة الهجرة، وترك الأهل والأوطان التي لها آثارها ونتائجها السلبية، كما لها آثارها الايجابية.
والسبب الأساس في هذه المشاكل بين العاطلين عن العمل، هو الافتقار الى المال، وعدم توفره لسد الحاجة.
إن تعطيل الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، لاسيما بين الشباب الممتلئ طاقة وحيوية ولا يجد المجال لتصريف تلك الطاقة، يؤدي الى أن ترتد عليه تلك الطاقة لتهدمه نفسياً مسببة له مشاكل كثيرة.
وتتحول البطالة في كثير من بلدان العالم الى مشاكل أساسية معقّدة، ربما أطاحت ببعض الحكومات، فحالات التظاهر والعنف والانتقام توجه ضد الحكام وأصحاب رؤوس المال فهم المسؤولون في نظر العاطلين عن مشكلة البطالة.
وقد حلّل الاسلام مشكلة الحاجة المادية والبطالة، تحليلاً نفسياً كما حللها تحليلاً مادياً:
منها ما روي عن رسول الله (ص) قوله: «إنّ النفس اذا أحرزت قوتها استقّرت» (27).
وعن الامام جعفر الصادق (ع): «ان النفس قد تلتاث على صاحبها، اذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت قوتها اطمأنت»(28).
وهذا النص يكشف العلمية التحليلية للعلاقة بين الجانب النفسي من الانسان، وبين توفر الحاجات المادية، وأثرها في الاستقرار والطمأنينة، وأن الحاجة والفقر يسببان الكآبة والقلق وعدم الاستقرار،
وما يستتبع ذلك من مشاكل صحية معقّدة، كأمراض الجهاز الهضمي والسكر، وضغط الدم، وآلام الجسم، وغيرها.
والبطالة هي السبب الأوّل في الفقر والحاجة والحرمان، لذلك دعا الاسلام الى العمل، وكره البطالة والفراغ، بل وأوجب العمل من أجل توفير الحاجات الضرورية للفرد، لاعالة من تجب اعالته.
ولكي يكافح الاسلام البطالة دعا الى الاحتراف، أي الى تعلم الحرف؛ كالتجارة والميكانيك والخياطة وصناعة الأقمشة والزراعة…الخ، فقد جاء في الحديث الشريف: «انّ الله يحبّ المحترف الأمين» (29).
ولقد وجّه القرآن الكريم الأنظار الى العمل والانتاج، وطلب الرزق، فقال: (فامشُوا في مناكبها وكُلوا من رزقه واليه والنشورُ). (الملك / 10)
وقال: (فإذا قُضيت الصلاةُ فإنتشرُوا في الارض وابتغوا من فضل الله). (الجمعة / 10)
واعتبر الرسول الكريم محمد (ص) العمل كالجهاد في سبيل الله؛ فقد روي عنه (ص) قوله: «الكادّ على عياله، كالمجاهد في سبيل الله» (30).
وروي عن الامام علي عليه السلام قوله: «إن الأشياء لمّا ازدوجت، ازدوج الكسل والعجز، فنتجا بينهما الفقر»(31).
وفي التشديد على التحذير من البطالة والكسل والفراغ، نقرأ ما جاء في رواية الامام الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «قال أبي لبعض ولده: إياك والكسل والضجر، فإنهما يمنعانك من حظك في الدنيا والآخرة»(32).
وقد جسّد الأنبياء والأئمة والصالحون هذه المبادئ تجسيداً عملياً؛ فكانوا يعملون في رعي الغنم والزراعة والتجارة والخياطة والنجارة.
وقد وضح الامام علي بن موسى الرضا ذلك، فقد نقل أحد أصحابه، قال: «رأيت أبا الحسن يعمل في أرضه، قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك، أين الرجال؟ فقال: رسول الله(ص) وأمير المؤمنين وآبائي، كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين)(33).
إن كل ذلك يوفر لجيل الشباب وعياً لقيمة العمل، وفهماً عميقاً لأخطار البطالة، مما يدعوهم الى توفير الكفاية المادية، والكرامة الشخصية بالعمل والانتاج، والابتعاد عن البطالة والكسل.
ومن أولى مستلزمات العمل في عصرنا الحاضر، هو التأهيل الحرفي والمهني، واكتساب الخبرات العملية؛ فالعمل يملأ الفراغ، وينقذ الشباب من الأزمات النفسية، ويلبي له طموحه في توفير السعادة، وبناء المستقبل.
وكم تجني الأنظمة والحكومات، لاسيما الدول الرأسمالية، والشركات الاحتكارية، على أجيال الشباب في العالم الثالث، باستيلائها على خيراته وثرواته، واشعال نيران الحروب والصراعات والفتن، واستهلاك مئات المليارات بالتسليح والاقتتال، مما يستهلك ثروة هذه الشعوب، ويضعها تحت وطأة البطالة والفقر والتخلف والحرمان، لذا يجب أن نتسلح بالوعي السياسي والاجتماعي، ونعمل على استثمار ثرواتنا، وتنمية الانتاج والخدمات لأجيال الحاضر والمستقبل.